فصل: مسألة قال لرجل اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال أحد غلامي حر فينظر فيهما فإذا أحدهما مدبر:

ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك:
وسألته عن رجل قال: أحد غلامي حر، فينظر فيهما فإذا أحدهما مدبر؛ قال: يقومان وتعرف قيمتهما، ثم يسهم بينهما، فإن خرج سهم المدبر، وكانت قيمته أدنى من نصف قيمتها جميعا، عتق في المملوك بقية النصف مع قيمتهما؛ وإن أحاط المدبر بنصف قيمة جميعهما، فلا عتق للذي ليس فيه تدبير، وإن خرج سهم الذي ليس فيه تدبير، وهو نصف قيمتهما، بدئ بالمدبر فيعتق، ثم يعتق هذا إن حمله الثلث أو ما حمل منه.
قال محمد بن رشد: قوله فإن خرج سهم الذي ليس فيه تدبير، وهو نصف قيمتهما بدئ بالمدبر فيعتق، ثم يعتق هذا إن حمله الثلث، أو ما حمل منه، معناه إن حمله الثلث مع المدبر، وإن لم يحمل الثلث المدبر، ووقع عليه السهم، عتق منه ما حمل الثلث؛ وكذلك إذا وقع السهم على الآخر، ولم يحمل الثلث إلا أقل من المدبر، لم يعتق إلا ما حمل الثلث من المدبر، فالمدبر يبدأ ولا يعتق الذي ليس بمدبر كله إلا إذا وقع السهم عليه، وهو نصف قيمتهما، والثلث يحملهما، فيخرج عتق المدبر بالتدبير، ويخرج عتق الآخر بالوصية؛ لأن معنى المسألة أنه قال ذلك في مرضه الذي مات منه؛ ولو كانت قيمة العبد أكثر من نصف قيمتهما وخرج سهمه، بدئ بالمدبر، ولم يعتق من العبد إلا مقدار نصف قيمتهما، وإن كان الثلث واسعا، وسيأتي في سماع عبد الملك بن الحسن إذا قال: اقرعوا بين فلان وفلان يريد المدبر، وآخر من عبيده، وبالله التوفيق.

.مسألة أبق غلامه فطلبه فلم يجده فأوصى إليه أني عند النخاسين:

وقال في رجل أبق غلامه، فطلبه فلم يجده، فأوصى إليه أني عند النخاسين، فإن كان لك حاجة ببيعي فهلم فبعني، وأتى سيده فوجده، فقيل له: بعه، فقال: هو حر إن بعته هذه الثلاثة الأيام؛ ثم أعطاه رجل به عطاء، فقال هو لك بعد ثلاثة أيام، قال: هو حانث، والغلام حر.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أوجب له فيه البيع بعد ثلاثة أيام، فقد باعه، وهو بيع جائز لا بأس به على ما قاله في رسم للمدبر، والعتق من سماع أصبغ بعد هذا، فوجب أن يحنث بهذا العقد، وإن كان لا ينتقل الملك به إلى المبتاع إلا بعد الثلاثة الأيام؛ لأنه يحنث فيما لا شيء به لو حلف أن يبيعه اليوم، لما بر بهذا البيع، وإن كان يحنث بعقد البيع الفاسد على ما قاله بعد هذا؛ وإن كان الملك لا ينتقل به إلا أن يفوت؛ وقد قيل: إنه لا ينتقل به، وإن فات، فأحرى أن يحنث بهذا البيع الذي هو صحيح ينتقل به الملك على كل حال، وإن كان لا ينتقل به إلا بعد الأجل، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لعبده أنت حر إن بعتك فباعه بيعا حراما:

قال ابن القاسم: كل من قال لعبده: أنت حر إن بعتك، فباعه بيعا حراما؛ فهو حر.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، ومثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة؛ ويلزم ألا يحنث على قياس القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك، ومصيبته من البائع، وإن تلف عند المبتع؛ وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات؛ ولو حلف أن يبيعه لما بر بالبيع الفاسد، إلا أن يفوت عند المبتاع قبل الأجل إن كانت يمينه إلى أجل؛ لأنه يحنث بما لا يبر به، وعلى القول بأن الملك لا ينتقل بالبيع الفاسد، لا يبر به على حال، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول جاريتي حرة إن لم أسافر سفرا أو إن لم أضربها:

وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: جاريتي حرة إن لم أسافر سفرا، أو إن لم أضربها، أو إن لم أضرب عبدي، أو إن لم أنحر بعيري؛ قال ابن القاسم: أنظر أبدا كل شيء حلف إن لم يفعله، ولم يضرب أجلا، فإنه لا يطأ جاريته ولا بناتها إن حدث لها بنات بعد اليمين حتى يفعله؛ ولا يبيعهم ولا يهبهم، ولا يتصدق بهم حتى يفعله؛ وإن ضرب أجلا، خير بين البنات والأم في الوطء إلى الأجل، وليس له أن يبيع واحدة منهن، ولا يتصدق بها، ولا يهب حتى الأجل، فإن بر، وإلا كانت هي وولدها أحرارا؛ وإذا حلف على شيء ألا يفعله، فإنه يطأ، ويبيع، ويتصدق؛ فإن حنث فيما حلف عليه ألا يفعله، فكانت عنده الجارية التي حلف عليها، عتقت عليه، وما كان لها من ولد بعد اليمين، فقد اختلف قول مالك فيها: مرة كان يقول: تعتق بولدها، ومرة كان يقول: تعتق بغير ولدها؛ ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسن على كره أن تعتق هي وولدها؛ قال ابن القاسم: وعلى ذلك رأيي، ولست أعيب قول من قال: لا تعتق إلا هي وحدها.
قال محمد بن رشد: أما الذي حلف بحرية جاريته أن يفعل فعلا، فقال: جاريتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا؛ فإن لم يضرب أجلا، فلا يطأ، ولا يبع، ويدخل ولدها في اليمين؛ لأنه على حنث هذا هو القياس، وقد روى عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين، وهو قول المغيرة المخزومي؛ وأما إن ضرب ليمينه أجلا، فيتخرج في دخول ولدها في اليمين قولان متكافئان على اختلاف قول مالك في المدونة في جواز الوطء له، مرة قال فيها: إن له أن يطأ؛ لأنه على بر مثل قوله في هذه الرواية؟ ومرة قال: إنه ليس له أن يطأ؛ إذ ليس له أن يبيع من أجل أنها مرتهنة بيمينه في البيع، وأما إذا حلف بحريتها ألا يفعل فعلا، فسواء ضرب أجلا أو لم يضرب، هو على بر؛ فالقياس ألا يدخل ولدها في اليمين، وقد اختلف قول مالك في ذلك حسبما وقع هنا، وفي رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وفي رسم العرية من سماع عيسى، من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

.مسألة قال كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر فورث رقيقا:

قال: وسئل مالك عن رجل قال: كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر، فورث رقيقا، فقال ابن كم هذا الرجل الحالف؟ قال: ليس هو بكبير، قال: فما ورثه فهو حر، ولا يعتق عليه أنصباء أصحابه، لا يعتق عليه إلا ما ورث قط، إلا أن تكون له نية في الاشتراء والصدقة أو الهبة، ولم يرد الميراث، فيدين ويحلف على ما نوى.
قال محمد بن رشد: قال في الذي حلف بحرية ما يملك من العبيد إلى ثلاثين سنة، أن ذلك يلزمه إذا لم يكن كبيرا، ولم يجد في ذلك حدا، والحد فيه حد التعمير في الاختلاف من السبعين سنة إلى مائة وعشرين. وقوله: إن ادعى أنه لم يرد الميراث، فيدين ويحلف على ما نوى، يدل أنه نواه مع قيام البينة عليه؛ إذ لو لم تكن عليه بينة، وأتى مستفتيا، لصدق دون يمين؛ وإنما نواه مع البينة مراعاة للاختلاف في أصل المسألة؛ إذ قد قيل: إنه لا يلزمه حرية ما يملك لما جاء من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» وهو قول الشافعي وجماعة من أهل العلم، وكان القياس على أصل مذهبه في إلزام العتق له ألا تقبل منه النية مع البينة؛ لأنها نية مخالفة لظاهر قوله، وإلى هذا ذهب ابن المواز، قال في الذي يقول: إن كلمت فلانا، فكل عبد ملكه من الصقالبة فهو حر؛ أن اليمين تلزمه إذا لم يقل أبدا في كل ما كان في ملكه من الصقالبة يوم حلف، وفيما استفاد منهم بعد ذلك، إلا أن يقول: أردت في المستقبل، ولا شيء عليه، إلا أن تكون عليه بينة؛ وكذلك قوله: إنه لا يعتق عليه إلا ما ورث، ولا يعتق عليه أنصباء أصحابه، هو أيضا مراعاة للاختلاف الذي ذكرته في أصل المسألة، وكان القياس إذا أعتق عليه حظه مما ورث من العبيد، أن يقوم عليه الباقي منهم، وبالله التوفيق.

.مسألة قال كل مملوك أملكه في شهر رجب فهو حر:

قال أشهب في رجل قال: كل مملوك أملكه في شهر رجب فهو حر، فورث نصف عبد فحنث في الذي حلف عليه؛ قال: تعتق عليه حصته، ويستتم عليه عتقه؛ قلت له: كيف وإنما دخل عليه بميراث؛ قال: لأنه إنما أعتق عليه بحلفه.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول ابن القاسم في المسألة التي قبلها؛ أنه لا يعتق عليه أنصباء أصحابه، وهو القياس على ما ذكرناه؛ وقول ابن القاسم استحسان مراعاة للخلاف، وقد قيل: إن قول أشهب ليس بخلاف لقول لابن القاسم، وأن معنى مسألة أشهب أنه حلف، فقال: إن فعلت كذا وكذا، فكل مملوك أملكه في شهر رجب حر، فورث نصف عبد، ثم فعل ما حلف عليه؛ فإنه يعتق عليه النصف، ويقوم عليه باقيه؛ والأظهر أنه خلاف لقول ابن القاسم؛ لأنه إنما اعتل لما سأله كيف يقوم عليه، وهو إنما دخل عليه بميراث، بأنه أعتق عليه بحنثه، ولم يعتل بأنه حنث في يمينه بعد أن ملك النصف، وإن كان تقويمه عليه إذا حنث بعد أن ملك نصفه أبين، فقد قال ابن كنانة في السفيه المولى عليه يحلف بحرية عبده، ثم يحنث بعد أن عاد حليما، وولي نفسه والعبد في يديه أنه يعتق عليه؛ وقاله أيضا في الصغير يحلف في حال صغره، ثم يحنث بعد بلوغه، وقد مضى الكلام على هذا في رسم العتق الثاني، من سماع أشهب، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بحرية جاريته على شيء أن يفعله إلى أجل:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية جاريته على شيء أن يفعله إلى أجل، أو إلى غير أجل، فلحقه دين بعد اليمين، هل تباع الجارية؟ قال: نعم، تباع كان إلى أجل، أو إلى غير أجل؛ كان الدين قبل اليمين، أو بعد اليمين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العتق لا يجب إلا بالحنث، إما بالموت إن لم تكن اليمين إلى أجل، أو بالأجل إن كانت إلى أجل، والدين سابق له، فوجب أن تباع.

.مسألة قال لرجل اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا:

ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس:
وسئل عن رجل قال لرجل: اذهب إلى غلامي فقل له يلقاني في مكان كذا وكذا، فإن لم يفعل فهو حر، فتوانى الغلام، وأبى أن يجيب؛ قال: لا حنث عليه، قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أرسل رسولا إلى غلام له إن لم يأت غدا فهو حر، قال: إن بلغه الرسول، وكان السيد إنما أرسل إليه استعجالا، فتأخر العبد عنه ليحنثه، وليخرج حرا، فلا حرية له؛ وقد قال مالك في الذي يقول لغلامه في غريمه: إن فارقته فأنت حر، ففارقه فلا حرية له؛ وقد ذكر ذلك عمر بن عبد العزيز وربيعة، وإن كان الرسول لم يبلغ العبد، فلا حرية له أيضا.
قال محمد بن رشد: أما إذا لم يبلغ الرسول العبد، فلا إشكال في أنه لا يعتق؛ وأما إذا بلغه الرسول، فاختلف قول مالك في ذلك، فكان في بدء أمره يقول بقوله في هذه الرواية: أنه لا حنث عليه، قال: وليس ذلك بمنزلة من يقول لامرأته: أنت طالق، إن خرجت إلى مكان كذا وكذا لمكان يسميه، ثم تخرج بغير إذنه، فأرى الطلاق يلزم هذا، ولا يلزم سيد العبد الحرية، وفرق بين ذلك أن الرجل يعاقب امرأته بطلاقها، ولا يعاقب عبده بالعتق، قال ابن نافع: وفرق بين ذلك أيضا، أن للرجل أن يملك امرأته في يمينه، فإن أحنثته وجب ذلك عليه، ولا يملك عبده في يمينه بأن يجعل ذلك بيده حتى يعتق نفسه، ثم رجع فقال: هو حانث، واختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم وأصبغ، وجاءت عن عمر بن العزيز في ذلك قضيتان، قضى أولا بعتق الغلام على سيده، ثم رفع إليه آخر، فلم يعتقه على سيده، وقال: أخشى أن يكون ذلك ذريعة لتحنيث العبيد لساداتهم؛ وقال ابن الماجشون والمخزومي بقول مالك الأول: أنه لا حنث عليه، وقال معرف بقول مالك الثاني: أنه حانث، وقال أصبغ في أحد قوليه محتجا لقوله: إنه لا حنث عليه، انظر أبدا كل شيء حلف عليه سيده من أمر يأمره به، أو ينهاه عنه، ليبره في ذلك، فخالفه فحنثه ليعتق نفسه، فلا عتق له.
قال: وقد قال بعض الناس: إن الطلاق مثل ذلك سواء إذا حلف على امرأته بمثل ذلك، ولم يقله أصحابنا، ولست ممن يقوله، ويرى أنها طالق إن حنثته، وقوله في الطلاق بمنزلة التمليك، وقال أشهب في الطلاق مثل ذلك، وأنه سواء في العتق والفرقة.
والفرق بين العتق والطلاق في هذه المسائل بين بالمعنى الذي فرق به مالك بينهما، وقد رأيت لابن دحون أنه قال فيها هذه المسائل خارجة عن أصول المدونة وغيرها، والفتوى على خلافها، والحنث يلزم السيد في كل هذا إذا لم يأته العبد، بلغه الرسول أو لم يبلغه؛ لأنه قد جعل أمره في يدي غلامه ويدي رسوله، فقد سبب حنث نفسه، أو ملك أمره لغيره، فهو حانث في جميع ذلك إذا لم يأته الغلام، وليس قوله بصحيح؛ أما إذا لم يبلغه الرسول، فلا إشكال في أنه لا حنث عليه، ولا اختلاف؛ وأما إذا بلغه الرسول، أو كان هو الذي شافهه؛ فالصحيح في النظر ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، ورواه عن مالك من أنه لا حنث عليه؛ لأن الرجل إذا نهى عبده عن الشيء، وقال له: إن فعلت فأنت حر، فبين أنه لم يرد بذلك حريته، وإنما أراد به ضد ذلك من ترك حريته، وسواء ملكته إياه كمثل ما يقول الرجل لابنه في الشيء ينهاه عن فعله ويتوعده عليه. افعل كذا وكذا وأعطيك ألف مثقال، فمن نظر إلى معنى يمينه، قال: لا حنث عليه، وهو قول مالك الأول، ومن لم ينظر إلى المعنى، واتبع ما يوجبه ظاهر لفظه ويقتضيه، قال: هو حانث؛ وإلى هذا رجع مالك، وقوله الأول أظهر؛ لأنا إنما تعبدنا بالمفهوم من معنى الكلام دون ظاهره، قال تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] فظاهره الأمر، والمراد به النهي والوعيد، ومن مثل هذا كثير، فكذلك مسألتنا، وبالله التوفيق.

.مسألة قيل له في عبد من ربه قال ما له رب إلا الله:

قال عيسى: وسئل عن رجل قيل له في عبد من ربه؟ قال: ما له رب إلا الله؛ أو قيل له: أمملوك هذا العبد؟ فقال: لا، ما هو مملوك، أو قيل له: ألك هذا العبد؟ قال: ما هو لي؛ إنه لا شيء عليه في هذا كله، وهو بمنزلة ما لو قيل لرجل ألك امرأة؟ قال: ما لي امرأة، أو قيل له في امرأته أهذه امرأتك؟ فقال: ما هي امرأتي؛ أنه لا شيء عليه في هذا ونحوه، إذا لم يرد به طلاقا، قال عيسى: إذا لم يرد به طلاقا ولا عتقا، فإن عليه اليمين بالله ما أراد به طلاقا ولا عتقا.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك، لا شيء عليه في هذا كله، أنه لا يمين عليه فيه، ويدل على ذلك أيضا من مذهبه مساواته بين أن يقول في عبده: ما هو مملوك، أو ما له رب إلا الله، وبين أن يقول: ما هو لي؛ إذ لا اختلاف ولا إشكال في أنه لا يمين عليه في قوله في عبده ما هو لي؛ إذ ليس في قوله ما هو لي، إقرار به لأحد بعينه، خلاف قول عيسى بن دينار من رأيه، أنه يحلف ما أراد بذلك طلاقا ولا عتقا، ولابن القاسم في أول رسم الرهون بعد هذا مثل قول عيسى في إيجاب اليمين عليه، ومثله في المدونة في الذي قال لعبد: أنت حر اليوم من هذا العمل، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، والاختلاف في هذا على اختلافهم في يمين التهمة؛ لأن العبد يقول: أردت بذلك عتقي، وهو يقول: لم أرد بذلك عتقك، ولو ادعى العبد أنه قد كان أعتقه قبل ذلك، واحتج عليه بقوله ما هو مملوك، للزمته اليمين قولا واحدا، بمنزلة إذا ادعى عليه العتق، وأقام على ذلك شاهدا واحدا، فإن نكل عن اليمين، فقيل: إنه يعتق عليه، وقيل: إنه يحبس حتى يحلف، إلا أن يطول سجنه فيخلى عن سبيله، وقد وقع في أول رسم، من سماع ابن القاسم، من كتاب الطلاق السنة، في قول ابن القاسم إيجاب اليمين في نحو هذه المسألة بزيادة فيها عليها، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة ولا يجوز في الرقاب الواجبة خصي:

قال: ولا يجوز في الرقاب الواجبة خصي، ولا أقطع، ولا أشل، ولا أصم، ويجوز الأعور، والأعرج الخفيف العرجة، وروى أشهب من كتاب العتق عن مالك في الخصي والأعرج يجزئان في الرقاب الواجبة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم العتق، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن أنا مت في هذا البيت فجاريتي حرة:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل:
وسئل مالك عن رجل نزل فندقا، فكان في بيت منه فمرض، فقال: إن أنا مت في هذا البيت، فجاريتي حرة؛ فصح من مرضه ذلك، وخرج من ذلك الفندق، ثم رجع إلى ذلك البلد، فنزل في ذلك البيت، فمرض فمات فيه؛ أتعتق جاريته؟ فقال: أرى أن تعتق، إلا أن تكون تعرف أنه إنما أراد في مرضه ذلك الأول.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال على أصولهم في أن الحالف لم تكن له نية تحمل يمينه على ما يقتضيه لفظه، إذا لم يكن له بساط يدل على خلاف لفظه، وبالله التوفيق.

.مسألة زوج أمته عبده ثم قال لها إن لم أبعك إلى سنة فأنت حرة:

وسئل عن رجل زوج أمته عبده، ثم قال لها: إن لم أبعك إلى سنة، فأنت حرة، وما أشبه ذلك. قالت: اشهدوا أنه إن لم يفعل وجاءني العتق فقد اخترت نفسي، قال: ليس ذلك لها، وفرق بينها وبين الحرة التي يقول لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتقول: اشهدوا أنه إن فعل هذا، فقد اخترت نفسي، فهذه الحرة إن تزوج عليها فهي طالق، وفرق بينها وبين الأمة ولم يرها مثلها.
قال محمد بن رشد: الفرق بين الحرة والأمة أن الخيار للأمة إذا أعتقت تحت العبد لمن يجعله الزوج لها، وإنما وجب لها بالسنة إذا عتقت وزوجها عبد، فليس لها أن تختار نفسها قبل أن يجب ذلك لها، وقد لا يجب لها؛ إذ قد يعتق زوجها قبل أن تعتق هي، وأما الحرة فالزوج جعل الخيار لها بشرط تزوجه عليها، فكان لها أن تقضي بما جعل لها، وقد روى أصبغ عن أشهب في رسم النكاح من سماعه، من كتاب النكاح، أن ذلك ليس لها، وطلاقها قبل أن يتزوج عليها باطل، وهو القياس على مسألة الأمة هذه، وعلى قولهم في أن أخذ الشفيع بالشفعة قبل وجوبها له باطل، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لعبده أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر:

وقال في رجل قال لعبده: أنت حر إن بعتك إلا ممن يجيزك البحر، وأنه باعه من رجل وحلف له بحريته أن يجيزه البحر، ثم باعه الذي اشتراه منه، أوبق منه قبل أن يجيزه على من يعتق، قال ابن القاسم: أرى أن يعتق على الأول إن لم يجزه الذي باعه البحر يعني البائع الثاني، وذلك أن مالكا سئل عن عبد حلف سيده، وقال: أنت حر إن بعتك من فلان، وقال المحلوف عليه: هو حر إن ابتعته، فباعه منه على من يعتق، قال على البائع، وروى أصبغ مثله، وقال: لو كانت يمينه ألا أبيعك إلا ممن يحلف أن يجيزك البحر، لم يكن فيه شيء، وكان على المشتري أن يجيزه، وكان على البائع القيام عليه بذلك إذا تعدى وتركه حتى يجيزه؛ وروى محمد بن خالد قال: سألت ابن القاسم عن الرجل يبيع الجارية من الرجل على أن يجيزها البحر، وقد كان حلف بحريتها ليبيعنها ممن يجيزها البحر، وهو رجل أندلسي، فباعها من رجل بذلك الشرط، واجتهد في ذلك، فوطئها المشتري فحملت منه أو أعتقها؛ فقال لابن القاسم: إذا فاتت بحمل أو عتق، سلك بها مسلك التي تباع على أن تتخذ أم ولد، قلت لابن القاسم: ولا يكون على الذي حلف شيء؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: اختلف في الحالف أن يفعل فعلا هل يحمل على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير حتى يريد التعجيل حسبما مضى القول فيه في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم؛ فقول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في هذه المسألة في الذي يحلف بحرية عبده ألا يبيعه إلا ممن يجيزه البحر، فباعه واستحلف المشتري بحريته أن يجيزه البحر، فلم يفعل حتى باعه أوبق منه؛ أنه يعتق على الأول إن لم يجزه المشتري حتى باعه أوبق منه، هو على قياس القول بأن يمينه محمولة على التعجيل؛ لأنه رآهما جميعا البائع والمشتري حانثين بتأخير إجازته البحر، فلما استويا في الحنث، كان البائع منهما هو أحق أن يعتق عليه؛ لأنه مرتهن بيمينه، قياسا على ما قاله مالك في الذي يحلف بحرية عبده ألا يبيعه من رجل، ويحلف ذلك الرجل بحريته إن اشتراه منه، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس القول بأن اليمين محمولة على التأخير حتى يريد التعجيل، ألا يقع الحنث عليهما إلا بموت المشتري والعبد بيده، فإن باعه رد البيع فيه ووقف بيده، فإن لم يبر فيه بإجازته البحر حتى مات، حنثا جميعا، وعتق على البائع، ورد الثمن للمشتري، ولا يبر الحالف أن يبيع عبده ممن يجيزه البحر على رواية عيسى هذه إلا بإجازة المشتري إياه، لا بأن يبيعه بشرط ممن يجيزه البحر، ولا بأن يبيعه بغير شرط، ويستحلف المشتري أن يجيزه، إلا أن ينوي ذلك على ما قاله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وظاهر رواية محمد بن خالد هذه عن ابن القاسم، بل هو نص قوله في آخر المسألة أنه يبر ببيعه على أن يجيزه بشرط؛ لأنه الظاهر من مقصد الحالف، فقد قيل: إن يمين الحالف إذا لم تكن له نية يحلف على ما يظهر من مقصده، وقد اختلف إن باعه على هذا من الشرط على أربعة أقوال؛ أحدها: أنه بيع جائز، وهو قول ابن وهب في الدمياطية. والثاني: أنه بيع فاسد يفسخ على كل حال، فإن فات بما يفوت به البيع الفاسد، كانت فيه القيمة بالغة ما بلغت. والثالث: أنه يفسخ إلا أن يشاء البائع أن يترك الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات، كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن؛ وقيل: يرجع البائع على المبتاع بقدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وهو القول الرابع؛ والذي يأتي في هذه المسألة إذا فاتت الجارية عند المشتري بحمل أو عتق على القول بأن البائع الحالف لا يبر ببيعها على الشرط، وإنما يبر بأن يجيزها المشتري على ظاهر ما لفظ به في يمينه، وهو مذهبه في رواية عيسى هذه عنه، ونص قوله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ على ما ذكرناه أن يرد على البائع ويعتق عليه ويرد الثمن على المشتري إن كانت فاتت بعتق، فإن كانت فاتت بإيلاء، كان على المشتري قيمة الولد، وقاصه بذلك من الثمن، فكانت قيمته أقل من الثمن، ورجع عليه ببقية الثمن، وإن كانت قيمة الولد أكثر، لم يرجع عليه البائع بشيء على ما قاله في رسم العتق بعد هذا السماع، وبالله التوفيق.

.مسألة استأذنته امرأته في عتق جارية لها مرارا:

وسئل مالك عن رجل استأذنته امرأته في عتق جارية لها مرارا، وأكثرت عليه وكل ذلك يأبى، فلما رأت ذلك، دعت شهودا في السر، فأشهدتهم على عتقها، وأمرتهم بكتمان ذلك، ثم دخل عليها زوجها فاستأذنته في عتقها، فقال: أكثرت علي، إن أعتقتها فأنت طالق البتة، قال مالك: لا شيء عليه، إلا أن يكون أراد بذلك، إن كنت أعتقتها فأنت طالق البتة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شيء عليه؛ لأنه إنما حلف ألا تفعل ما لا يمكنها أن تفعله؛ إذ قد كانت فعلته؛ ومثله في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب النذور، ولو قال لها: إن أعتقتها فأنت طالق البتة، وهو عالم بأنها قد كانت أعتقتها؛ لكان ذلك بمنزلة الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها؛ وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في سماع سحنون، ونوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، ومضى في رسم العتق، من سماع أشهب، من هذا الكتاب الكلام في الذي يحلف ألا يكري رجلا أرضا له فوجد وكيلا له، قد أكراها ذلك الرجل، وبيان ما فيها من الإشكال، فلا وجه لإعادته.

.مسألة دفع إليه سيده مائة شاة وقال اعمل فيها حتى تصير ثلاثمائة وأنت حر:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
وسئل ابن القاسم عن عبد دفع إليه سيده مائة شاة، وقال: اعمل فيها حتى تصير ثلاثمائة، وأنت حر، فمات السيد فأراد الورثة أخذ الغنم منه، وقال العبد: لا أدفعها لكم؛ قال: إن رضوا أن يعتقوه ويأخذوها منه فذلك لهم، وإلا كانت في يديه حتى يعلم أنه لا يكون فيما بقي منها ثلاثمائة شاة.
قال محمد بن رشد: قوله: إن ذلك يلزم الورثة، وليس لهم أن يأخذوا الغنم منه إلا أن يعتقوه، يدل على أنه أجاز ذلك على وجه الكتابة، يريد ويضرب له في ذلك أجل، كمن كاتب عبده على عدد يسميه، ولم يضرب له أجلا. وقوله: إن لم يرض الورثة بعتقه، أن الغنم تكون في يديه حتى يعلم أنه لا يكون فيما بقي منها ثلاثمائة، معناه إلى الأجل الذي ضرب له في ذلك، وهذا هو مذهب أصبغ، وقوله في أول رسم من سماعه، من كتاب المكاتب أنه يجبر على ذلك إذا وقع، ويراها كتابة لازمة على سنة الكتابة، تلزم الورثة ولا يردها الدين المستحدث؛ غير أنه يكره ذلك ابتداء، لما فيه من الغرر، على ما قاله في رسم أول عبد ابتاعه، فهو حر، من سماع يحيى، من كتاب المكاتب؛ وذلك خلاف قول ابن القاسم، في سماع يحيى، من كتاب المكاتب. وفي أول سماع أصبغ منه أن ذلك ليس بكتابة، وإنما هو بمنزلة من أعتق عبده إلى أجل مجهول، قد يكون وقد لا يكون، فلا يلزم الورثة ويرده الدين المستحدث، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه من كتاب المكاتب، إن شاء الله.

.مسألة حلف ألا يكلم فلانا أبدا ولا يدخل دار فلان أبدا بحرية رقيقه:

قال ابن القاسم: لو أن رجلا حلف ألا يكلم فلانا أبدا، ولا يدخل دار فلان أبدا بحرية رقيقه، فحنث فرد الغرماء عتقه فبيعوا، ثم اشتراهم بعد ذلك، أو تصدق بهم عليه، أو وهبوا له؛ أن اليمين ترجع عليه إذا رجعوا في ملكه بوجه من الوجوه غير الميراث؛ فإن كلم فلانا، أو دخل دار فلان، عتقوا عليه، ولزمه الحنث؛ ولو كان أعتقهم عتقا بتلا في غير يمين، فرد الغرماء عتقه وباعوهم واقتضوا دينهم، ثم اشتراهم بعد ذلك؛ لم يلزمه عتقهم، وكانوا مماليكه.
قال محمد بن رشد: إنما قال في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يفعل فعلا فحنث، فرد العتق فأعتقهم فبيعوا، ثم اشتراهم بعد ذلك، أو تصدق بهم عليه، أو وهبوا له؛ أن اليمين ترجع عليه إذا رجعوا في ملكه بوجه من وجوه الملك غير الميراث، ومن قولهم: إن من حلف ألا يفعل فعلا، ففعله مرة فحنث، أنه لا يحنث بفعله مرة أخرى؛ لأن العتق لما رد فبيع في الدين، كان كأن لم يحنث؛ إذ لم يلزمه بالحنث عتق على ما قالوا فيمن حلف بعتق عبد ألا يفعل فعلا، فباع العبد ثم فعل ذلك الفعل، ثم اشتراه ففعله ثانية، أن العتق يلزمه؛ إذ لم يلزمه بالفعل الأول، والعبد في غير ملكه شيء، وقد وقع في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، من كتاب النذور ما ظاهره خلاف هذا، أن اليمين لا ترجع عليه إن اشتراه، إلا أنه محتمل للتأويل على ما ذكرناه هناك؛ وإن حمل على ظاهره، فالوجه في ذلك أنه لما حنث بعتقهم مرة، وجب أن يعتبر بحنثه؛ وإن كان قد رد العتق في الدين، فلا يحنث فيهم ثانية إن اشتراهم؛ إذ لا يحنث في اليمين الواحدة مرتين، فلكلا القولين وجه؛ وأما الذي أعتق عبيده بغير يمين، أو بيمين على فعل لا يتكرر، فرد عتقهم في الدين، فلا اختلاف في أنه لا شيء عليه إن اشتراهم، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته كل أمة أتسراها فهي حرة:

وسئل عن رجل قال لامرأته: كل أمة أتسراها فهي حرة، فاشترى خادما تخدمه فوطئها؛ فقال: هي حرة، وابن كنانة يقول في مثل هذا لا تكون حرة إلا أن تحمل.
قال محمد بن رشد: التسري عند ابن القاسم الوطء المجرد، فلذلك رآها حرة بوطئه إياها، وإن كان إنما اشتراها للخدمة، ولم يرد حبسها، وذلك بين من مذهبه بما قال في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق، من أنه يبر بذلك إذا حلف أن يتسرى على امرأته؛ وذهب ابن كنانة إلى أن تسري الجارية إنما هو الوطء لها مع استصحاب النية في اتخاذها لذلك؛ ولذلك رأى إذا اشتراها للخدمة، أنها لا تكون حرة بوطئه إياها إلا أن تحمل؛ لأنها إذا حملت لم يكن له فيها إلا الاستمتاع بوطئها، فتعتق علية؛ إذ لا يصح له ذلك فيها من أجل يمينه عليه بحريتها، وبالله التوفيق.